حوار معالي وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة مع أحمد الشوكي بجريدة الوفد.
بمجرد الاقتراب منه تلمس فيه سماحة الأزهر ووسطيته قدره أن يقوم بدورين مزدوجين، نشر الإسلام ومحاربة الإرهاب، لتتطهر المنابر من مغتصبيها الذين شوهوا صورة الإسلام بجهلهم وغلظة قلوبهم.
وكان هدفه من أول يوم له في حكومة الببلاوي منع التوظيف السياسي الحزبي أو المذهبي أو الطائفي للمنبر أو للمسجد، ومنع صلاة الجمعة في الزوايا، التقيت الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف وهو يستعد لإطلاق مؤتمر «خطورة الفكر التكفيري والفتوي بدون علم علي المصالح الوطنية والعلاقات الدولية» ذلك الخطاب الذي تبنته جماعة الإخوان المسلمين وما خرج من عباءتها فضلّوا، وليعود الأزهر من جديد باسطاً يديه علي المنابر وهي ولايته ومسئوليته بحكم الدستور والقانون، ويتعهد الوزير بأن الاشراف شمس مصر خلال الفترة القادمة علي مسجد إلا وضم للأوقاف عما يتعهد بتعيين خمسة عشر ألفا خريج ممن لم يتم تثبيتهم ويتوعد كل إمام يخالف رسالة الأزهر بالعقاب وإلي نص الحوار
< ما هدف مؤتمر «خطورة الفكر التكفيري والفتوي» بدون علم علي المصالح الوطنية والعلاقات الدولية؟
– المؤتمر يعالج قضية من أهم القضايا التي تحتاج إليها مصر بل الأمة والعالم، إذ له أبعاد وآثاره علي كل ذلك جميعاً ما لم يكن التكفير مبنياً علي أسس شرعية صحيحة، وقد تصدي للتكفير جماعة من غير المتخصصين، متناسين حديث النبي عليه الصلاة والسلام «من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما» فأي إنسان يسلك لنفسه هذا المسلك، ويضع نفسه في هذه المسئولية الجسيمة، ولنا عبرة فيما حدث من نقاش بين الإمام أحمد بن حنبل والإمام الشافعي في حكم تارك الصلاة، فقال عنه ابن حنبل كافر، بينما سأله الشافعي، أنه ماذا يفعل الإنسان ليدخل في الإسلام، فقال يشهد أن لا إله إلا الله، فقال له تارك الصلاة هذا يشهد بذلك فكيف تصفه بالكفر.
< وما أبعاد هذا التكفير علي المجتمع؟
– أصبح الآن التكفير سياسياً، كما كان في مرحلة ما يتوجه لتكفير الخصوم، والآن شمل تكفير المخالفين وتفسيقهم وتخوينهم من أجل مكاسب شخصية، وخدمة جهات خارجية، والمؤتمر يوضح تطور إطلاق كلمة التكفير التي هي الآن في مصر والعالم أصبحت سلماً للعمليات الإرهابية والإجرامية، ووسيلة لإستباحة الدماء، وما يتبعه من اعتداءات ممنهجة علي المفكرين، وانبّه الذين يفتون بغير علم وكذلك الذين يستفتونهم بحديث النبي الذي يقول: «إن الله لا ينزع العلم انتزاعاً من صدور العلماء، وإنما يقبض العلم بقبض العلماء، حتي إذا الناس لم يجدوا عالماً، اتخذوا رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم». حقاً إن أكثر الناس علماً أكثرهم خوفاً من الفتوي، والسؤال كان يمر علي أحد الصحابة فيحيله لأخيه. وهكذا حتي يعود إلي الأول.
< إلي أي حد كان يتجرأ الذين يفتون علي الفضائيات وما مصير قناة الأزهر؟
– من كان يطلع علي الفضائيات الدينية، كان يجدها مرتعا لغير المتخصصين والمؤهلين للفتوي، فكان منهم خريج التجارة والحقوق، وكنت حين ألتقي أحدهم وأسأله ماذا درست من علم أصول الحديث أو بقية علوم أصول التشريع، أجد أنه لا يعلم عنها شيئاً، بل أجده يفتقد إلي فقه الأولويات والمتاح والمقاصد، ويجهل ضوابط الفتوي جهلاً جلياً، بينما هو في برنامجه علي هذه الفضائيات، يجيب عن كل سؤال يسأله فيه، سواء كان السائل من مصر أو من أوروبا أو أمريكا، فلا عيب أن يقول الإنسان لا أعلم، وقد قالت الملائكة «سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا» وفيما يتعلق بقناة الأزهر، فإن العمل بها دؤوب لتخرج بالشكل الذي يليق باسم الأزهر، فتأخيرها يرجع إلي تقدير المتخصصين في النواحي الفنية، لتكون الأمثل للقنوات الدينية.
القنوات الدينية
< هل تري أن تأثير القنوات الدينية انحسر؟
– بالفعل، بعد قرار إغلاقها، وتحذير الناس منها، فكانت خطورتها في المرحلة السابقة إذا كانت مطية للتوجيه السياسي، وأساءت للإسلام، ولنفسها، فنحن بحق في حاجة للسماحة والتيسير في مواجهة التشدد والتكفير.
< ما عدد الدول التي شاركت في المؤتمر، وإذا تم توجيه الدعوة لقطر وتركيا؟
– حوالي 34 دولة و80 عالماً يتضمنهم مجموعة من أكبر علماء مصر، وقطر وتركيا لم نرسل دعوة إليهما عن قصد، لأنهما يحاربان مصر، ويتخذان إجراءات ضد مصالح مصر الوطنية، فكيف تتخذ ثلاثا من الدول العربية الشقيقة مواقف ضد قطر لإساءتها لمصر، ونحن نقوم بدعوتها، وبالنسبة لتركيا فإن موقفي منها واضح، فلن أستطيع التعامل معها حتي لو عدلت عن مواقفها السياسية إلا بعد أن يعتذر «أردوغان» لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، لقد ظنت قطر وتركيا أن الإساءات تسقط بالتقادم، مع التأكيد أننا لسنا في أزمة مع الشعوب، والدليل أن مصر والأزهر يفتحان أبوابهما للطلاب القطريين والأتراك، فنحن علي مستوي الشعوب أمة واحدة، وقد كنا نود دعوة أكثر دول العالم، لكننا رأينا أن نستضيف هذا العدد إستضافة تليق بمصر، خير من أن نأتي بأعداد وفيرة لا نقدم لها الخدمة المميزة، كما أن الذين لن يحضروا المؤتمر، سيشاركون في المسابقة الدولية العالمية للقرآن الكريم.
< ماذا يمثل هذا المؤتمر لمصر بعد ثورة 30 يونية؟
– هذا المؤتمر ليس مؤتمر الأوقاف فحسب، بل هو مؤتمر مصر التي تسترد عافيتها الثقافية والعلمية، فإن جهود الإمام الأكبر أحمد الطيب أعادت كثيراً مما افتقد من دور الأزهر ومصر بالخارج.
< هل تقدر وزارة الأوقاف حقاً أن تضم جميع مساجد مصر إليها، ولا تدعها فريسة لغير المتخصصين والجماعات الإسلامية؟
– إن من لا يعرف قدرة وزير الأوقاف أو يدركها، فعليه أن ينظر إلي المراحل السابقة، فعندما تحدثنا عن ضرورة توحيد الخطبة، ظن الناس أن ذلك مستحيل، لكن نسب تطبيقها نحن راضون عنها، وكل وسائل الإعلام وكبار العلماء يلتزمون بالخطبة الموحدة، ونحن ماضون بعزم وبجد في طريقنا، وسيكون هناك موقف لمن يخرج عن الخط، فعندما تحدث مخالفة لا أحاسب الإمام فحسب، إنما قد يمتد الحساب لوكيل الوزارة التي يتبعها أيضاً، نحن نسير بخطي واثقة للسيطرة علي المساجد، فولاية الأوقاف علي المساجد ولاية شرعية وقلبية، فنحن نعلم أن هناك ولاية عظمي للحاكم، وولي الأمر، وهناك ولايات فرعية، فذلك مسئول عن القضاء، وهذا مسئول عن الصلاة والزكاة، فللوالي أن ينيب عنه في كل الولايات، فولاية الأوقاف علي المساجد مطابقة للدستور والقانون، وأستطيع الجزم الآن أن محافظة جنوب سيناء تسيطر الأوقاف علي مساجد فيها بنسبة تصل إلي 99٪، ولا توجد أي جمعية أو جهة تسيطر عليها، وقد دعمنا هذه المحافظة بـ 105 أئمة جدد.
< لكن عدد المساجد كبير، فهل تواجه الأوقاف أزمة أئمة؟
– ليس لدينا عجز، إنما لدينا عجز تنظيمي نعالجه، فخلال شهرين لن يكون هناك مسجد في مصر إلا وقد ضم للأوقاف، وتحت إشرافها، وستبدأ أولاً بضم المساجد التي تثبت بها المخالفات، وقد أغلقنا جميع الزوايا في خطبة الجمعة، وأصبح الإمام أمام هذا العقل الجمعي الكبير ميسراً، فإن المتشددين كانوا ينفردون بالأعداد القليلة في الزوايا، وأصبح بإمكاننا البعث بإمام متميز لكل مسجد.
< ألا تري فضيلتكم أن بعض الخطباء ضعيفو المستوي؟
– نعم البعض، لكن في مقابل ذلك لدينا كثير متميز يعتلون منابر أكبر المساجد في الأزهر والحسين والسيدة زينب وعمرو بن العاص وفي كثير من المساجد الكبيرة، مع العلم أن خطبة الجمعة هي أقرب ما تكون إلي الوعظ والإرشاد وقليل من العلم، أما الكثير من العلم فله مكان آخر، ولقد ضممنا إلي الأوقاف في شهر واحد ألف مسجد والبقية آتية، وأقمنا القوافل الدعوية لتفقيه الناس بصحيح الدين، وليعلم الجميع أن كل مسجد في مصر من الآن هو للأوقاف، وسيكون جميع الخطباء من خريجي الأزهر الشريف.
< هناك من يعتلي المنابر من خريجي المعاهد الإسلامية؟
– هذه المعاهد ثقافية ولن نعتمد عليها في وسائل العمل الدعوي، فجميع المعاهد التي لا تتبع وزارة الأوقاف هي معاهد لمجرد التثقيف ونشر الفكر الإسلامي، وسنتركها ما دامت لم تخرج عن الخط الصحيح، ما دامت تنشر الفكر الإسلامي، وتمحو الأمية في إطار نظام الدولة وتحت إشرافها، ولن نسمح من الآن بسيطرة أي فكر متشدد أو متطرف علي منابع الثقافة الإسلامية. فلقد شهدت الفترة الماضية انفلاتاً دعوياً وأخلاقياً، وكل ذلك كان له تأثير سلبي علي المساجد وعلي الخطاب الدعوي، وهذه المشاكل حدثت عندما أقحمت المساجد في السياسة، والبعض جر المساجد في الصراع الحزبي والسياسي، وتحولت المساجد عن مهمتها الأساسية وهي الدعوة والعبادة. ومن أجل ذلك نعيد المساجد لدورها التنويري في نشر القيم والأخلاق وتصحيح المفاهيم، لقد جاءني أحد الذين ينتمون إلي هذه المؤسسات الثقافية قائلاً: من يوجهني؟ وهو لا يعلم أن الأزهر هو الذي يعلم الجميع، ولا يعلم أن فائض الريع الذي من الأوقاف علي مدار الستة أشهر الماضية تراوح ما بين 400 – 500 مليون جنيه بعد تنظيم الموارد.
< هل هناك وظائف جديدة ستعلن عنها الوزارة؟
– هناك بشري ستعلن بمجرد موافقة الجهاز المركزي للمحاسبات عن توفير 15 ألف فرصة عمل، منها 8 آلاف درجة عامل، لأولئك الذين خرجوا علي المعاش أو ماتوا وسنعلن عن التقديم بشروط منها كشف الفيش والتشبيه ولن نقبل بمن حكم عليه في قضية مخلة بالشرف، وسيكشف علي المتقدم كشف تحليل مخدرات في جهة سيادية، والشروط تصيب من تصيب، وتخالف من تخالف، والعدالة تتسع للجميع.
< علي ماذا اتفق فضيلتكم مع الدكتورة درية شرف الدين وزيرة الإعلام؟
– اتفقت معها علي أن تنقل جميع القنوات خطبة الجمعة التي هي تحت إشراف الأوقاف، وعلي الإعلام ذاته أن يضع ميثاق شرف إعلامياً، لنشر الفكر الوسطي ومحاربة التشدد.
< ماذا تضمنت الجولة التي قمت بها في جنوب سيناء؟
– كنا في زيارة عمل مكثفة، ولم نلتقط أنفاسنا، فافتتحت بجنوب سيناء مسجداً كبيراً، وقمنا بوضع حجر أساس لجامع ثان، وتابعنا بناءً ثالثا آراه أنموذجاً فريداً في الهندسة المعمارية التي تؤيد عبقرية المعماري المصري، وسيكون أهم علامة معمارية في مصر، يجمع بين القديم والجديد وعقدت لقاء بعد العشاء بالمسجد، ومصر بفضل الله تملك من المقومات الطبيعية والبشرية ما يؤهلها لان تكون في مصاف الدول الكبري، لكننا في حاجة إلي المزيد من الجهد والعمل، ولكن الأمن والاستقرار أولاً، والمكان الذي أقمنا فيه مقارنة بأماكن كثيرة من العالم هو أبهي في الطبيعة وأفصل في الخدمة، ومتفرد في الخصوصية، فنحن بلا ريب في مقدمة الدول الجاذبة للسياحة لو أحسنا استغلال ما لدينا، وقد وجهت دعوة منذ أيام من علي منبر الأزهر للإخوة العرب ليوجهوا سياحتهم لشقيقتهم مصر، ودعوة أيضاً لرجال الأعمال المصريين أن يستثمروا في هذا، فنحن كمصريين لم نتعرف علي بلدنا جيداً، فهذا واجب وطني، وليعلم الجميع أن مدينة الغردقة مصنفة علي أنها أفضل مدينة شاطئية في العالم، وعلينا أن نذكر ماذا قال القرآن الكريم عن مصر، فقد قال تعالي: «والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين» والتين والزيتون هما متعلقان بسيناء، وقدم ذكر طور سنين علي البلد الأمين، ومن علي هذا الجبل كلم الله موسي علي السلام، فقال تعالي في سورة «الأعراف» «ولما جاء موسي لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلي الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلي ربه للجبل جعله دكا وخر موسي صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين».
وقال في سورة المؤمنين «وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا علي ذهاب به لقادرون فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين» وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول عن الزيتون: «كلوا وادهنوا منه فإنه من شجرة مباركة».
لقد تجولنا في سيناء وزرنا جامعة الأزهر لنثبت للجميع أننا في مصر الأمان، وأن مظاهر الإرهاب إلي انحسار وشعارنا: «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين» فنحن الآن نتحرك باسم مصر، والناس في مصر آمنة، ومن ضمن رسالتنا التي تؤكد ذلك أننا أرسلنا قافلة دعوية إلي حلايب وشلاتين وجنوب سيناء.
< ينتظر الكثير من الدعاة زيادة رواتبهم، خاصة وأنهم مشغولون بالعلم؟
– إن زيادة المرتبات تسير في ضوء الإمكانيات المتاحة للدولة وموارد الوزارة، ونحن في ذات الوقت نبذل أقصي الجهد لتحسين أحوالهم المادية والمعنوية.
< بماذا تنصح أولئك الطلبة الذين يثيرون الفوضي ويشتبكون مع قوات الأمن؟
– ننصح أبناءنا بأن يتفرغوا للعلم، ونؤكد أن الشاذ لا يقاس عليه، وأن ما يحدث سواء في جامعة الأزهر أو في غيرها سحابة صيف وعما قريب تزول وتنقشع، ونحن نعمل بجد ونسابق الزمن لنشر ثقافة التسامح والتيسير.
< الذي يتشددون يقولون لماذا لا تهاجمون التسيب؟
– نحن نؤكد أنه إذا أردت أن تقضي علي التشدد، فعليك أن تحارب التسيب، وتكرس للضوابط المجتمعية.
< وماذا نقول لأبناء الأوقاف من المنتمين لتيارات سياسية؟
– إن ابن الأوقاف إذا انتمي إلي أي خط سياسي فليترك الأوقاف، ونحن ندقق في أولئك الذين نوفدهم للخارج من أئمة الأوقاف، ومن يجد أحداً فقط غير مؤهل منهم، فليحاسبني عليه، فإننا نخضعهم لامتحانات مكثفة متتالية، وقد عينا في وزارة الأوقاف مديرين من مواليد 71، 74 فنحن نعتمد علي الشباب وليس لدينا جمود، شريطة أن يكونوا مؤهلين فهؤلاء الشباب الذين عينوا بالوزارة حاصلون علي الدكتوراه.